لا تحتاج الإحصائيات لأي شرح أو تعليق في بعض الأحيان، وخاصة عندما يتعلق الأمر بتسجيل عشرة أهداف كاملة من أصل عشر مباريات في تصفيات تأهيلية لدورتين متتاليتين من نهائيات كأس العالم FIFA، كما كان الحال بالنسبة للدنماركي سورين لارسن. فقد تصدر ابن الثامنة والعشرين ربيعاً قائمة هدافي المجموعة الأوروبية الأولى في مشوار منتخب بلاده إلى جنوب أفريقيا 2010، متفوقاً على نجوم عالميين ذاع صيتهم كالبرتغالي كريستيانو رونالدو والسويدي زلاتان إبراهيموفيتش.
ومما يزيد من روعة الإنجاز أن هذا المهاجم صاحب القامة الفارعة لم يحتج سوى لـ308 دقائق لهز الشباك خمس مرات في التصفيات الأخيرة، وهو ما علق عليه بالقول: "أحس بارتياح كبير وأنا ألعب وفق أسلوب المنتخب الوطني، حيث اعتدت على هذا النهج منذ 15 سنة كاملة، ولذلك فإنني أعرف كل تفاصيله وجزئياته وكيفية اشتغاله، لدرجة أصبح معها هذا الأسلوب يتناسب كلياً مع طريقة لعبي. وبالتالي فإنني أحصل على فرص تهديف أكثر مع المنتخب، بالمقارنة مع الفرص التي تتاح لي على مستوى النادي."
وُلد لارسن في بلدة كوج الواقعة في أقصى الشرق الدنماركي، وقد احترف في نادي ديورجاردنز السويدي ثم شالكه 04 الألماني، قبل الانتقال عام 2008 إلى صفوف تولوز الفرنسي. وقد علق على تجربته الجديدة قائلاً: "لم أقدم أفضل ما لدي لأن زميلي في خط الهجوم (الدولي الفرنسي أندريه-بيير جينياك) سرق كل الأضواء بتسجيله 20 هدفاً في موسم واحد. لقد مرت فترة سجلت فيها ثلاثة أهداف من أصل ثلاث مباريات، مما يعني أن مستواي لم يكن باهتاً بشكل مطلق." وفي إشارة لعدم منحه فرصة المشاركة ضمن التشكيلة الأساسية بشكل منتظم، أعرب لارسن عن امتعاضه قائلاً: "عادة ما أنجح في التسجيل عندما ألعب، مما يعني أنه علي أن ألعب باستمرار حتى أبلغ الشباك باستمرار."
كل الإحتمالات واردة، فإذا نجحنا في خطف نقطة أمام هولندا وأخرى ضد الكاميرون، ثم الفوز على اليابان، فأعتقد أن ذلك سيكون كافياً لتأهلنا إلى الدور القادم.
لارسن حول حظوظ الدنمارك في كأس العالم FIFA
لارسن حول حظوظ الدنمارك في كأس العالم FIFA
وقد يكون ذلك بالضبط العامل الذي جعل النجم الدنماركي يفضل الإنتقال مجدداً إلى الأجواء الألمانية، ولو داخل صفوف نادي ديسبورج الذي يصارع ضمن منافسات دوري الدرجة الثانية الألماني، عوض الإكتفاء بدور البديل في فريق ينافس ضمن بطولة الصفوة الفرنسية، حيث صرح صاحبنا قائلاً: "بعدما أمضيت عاماً كاملاً في تولوز وأنا أتابع المباريات من دكة الإحتياط، كان يتعين علي أن أجرب حظي في وجهة أخرى، وقد تبين أن القرار كان صائباً. ومع ذلك فإن اللعنة ظلت تطاردني حتى بعد قدومي إلى ديسبورج، حيث نلت نصيبي من الإصابات هنا أيضاً."
وتابع لارسن وكله ثقة في المستقبل: "أتمنى العودة إلى كامل لياقتي البدنية في أقرب وقت ممكن. إذا عدت إلى المنافسات بعد أسبوعين أو ثلاثة، فإن ذلك سيمنحني وقتاً كافياً من أجل التحضير على الوجه الأمثل لكي أكون جاهزاً لخوض غمار كأس العالم. لقد تصدرت قائمة الهدافين في مجموعتنا خلال التصفيات وبإمكاني وضع كل خبرتي وتجربتي رهن إشارة الفريق. أعتقد أنني إذا حافظت على لياقتي، فإنني سأكون حتماً داخل التشكيلة، رغم أنه من الصعب التنبؤ بتلك الأمور في ظل وجود عدد من اللاعبين ذوي المهارات والفنيات العالية، مما يوفر بدائل عديدة في خط الهجوم."
وبناء على التجارب السابقة في كأس العالم، يبدو أن الدنمارك تملك كل الحظوظ للمرور إلى الدور الثاني في أول نهائيات عالمية تقام على أرض أفريقية شهر يونيو/حزيران القادم، علماً أن العملاق الإسكندينافي سبق له أن بلغ ثمن النهائي في دورة المكسيك 1986 وكوريا/اليابان 2002، بينما صعد إلى دور الثمانية في نهائيات فرنسا 1998.
ويستحضر لارسن ذكريات منتخب بلاده في عهد الجيل الذهبي، حيث أوضح قائلاً: "بالنسبة لي، يرجع أفضل إنجاز في تاريخ الدنمارك إلى بطولة أوروبا للأمم سنة 1984 وكأس العالم 1986، تلك الفترة الزاهية التي شهدت تألق مايكل لاودروب ويان مولبي. فقد وقف العالم بأكمله شاهداً على ذلك الفريق الذي كان يقدم عروضاً كروية غاية في الروعة. لقد لعبنا جيداً في فرنسا 1998 كذلك، رغم أني لن أنسى أبداً مباراتنا أمام البرازيل."
بيد أن الرحلة الدنماركية في نهائيات جنوب أفريقيا لن تكون شبيهة بالنزهة على الإطلاق، إذ تنتظر أبناء اسكندينافيا مهمة غاية في الصعوبة ضمن مجموعة خامسة تضم كلاً من هولندا واليابان والكاميرون. ويعلق ابن الثامنة والعشرين عن حظوظ منتخب بلاده قائلاً: "إن كل الإحتمالات واردة، فإذا نجحنا في خطف نقطة أمام هولندا وأخرى ضد الكاميرون، ثم الفوز على اليابان، فأعتقد أن ذلك سيكون كافياً لتأهلنا إلى الدور القادم. وهذا هو هدفنا الأسمى. لقد تعادلنا مع هولندا 1-1 قبل عام من الآن، وأنا واثق من قدرتنا على تحقيق النتيجة نفسها من جديد، إذ نملك فريقاً قوياً نحن أيضاً."
وتابع لارسن بنبرة تفاؤلية: "إن قوتنا تكمن في روح الفريق التي نتحلى بها جميعنا. إذ نغلق جميع المنافذ ثم نحاول المضي قدماً من خلال تمريرات عبر الأجنحة، وهي طريقة شبيهة بأسلوب اللعب الهولندي في واقع الحال، ولو أن هناك اختلافاً طفيفاً من حيث المستوى. نحن نقاتل من أجل بعضنا البعض، فإذا ارتكب أحدنا خطأ، يركض الجميع مسافة 100 متر لمساعدته. لقد طاردتنا لعنة الإصابات خلال التصفيات، ومع ذلك فقد نجحنا في تحقيق بعض النتائج الإيجابية، مما يوضح بالملموس قوة الشخصية لدى أعضاء الفريق ككل. كما أظهرنا قدرة على تقديم عروض كروية شيقة كذلك، ولن يكون من السهل منازلتنا في كأس العالم."
وبالإنتقال للحديث عن المدرب مورتين أولسن، وصف لارسن ربان السفينة الدنماركية بكل عبارات الثناء والمديح: "إنه يبلغ من العمر 60 عاماً، وقد اكتسب خبرة واسعة خلال مسيرته كلاعب، قبل أن ينتقل إلى عالم التدريب الذي أمضى فيه سنوات طوال. إنه ينجح دائماً في إخراج الأفضل من لاعبيه، كما يعتبر مدرباً ناجحاً في ما يتعلق بإيجاد الخطط التكتيكية المفاجئة."
وبخصوص حظوظ الدنمارك في الفوز باللقب العالمي، اعترف لارسن بصعوبة مهمةٍ بهذا الحجم، مؤكداً في الوقت ذاته أن الطريق مازال شاقاً وطويلاً أمام منتخب بلاده، حيث يرشح في المقابل المنتخب الأسباني لاعتلاء منصة التتويج في جنوب أفريقيا: "إن الأسبان يمرون بفترة مزدهرة منذ فوزهم بلقب بطولة أوروبا 2008. وإذا تقابلت أسبانيا والبرازيل في النهاية، فسيكون من الصعب التنبؤ بهوية الفائز. وعلى العموم، فإني أعتقد أن منتخب أسبانيا هو الأفضل، ولكن أفضليته تبقى مشروطة باللعب بنسبة 100%."
ومهما كانت حظوظ كتيبة مورتين أولسن في جنوب أفريقيا، فإن لارسن عاقد العزم على تمثيل منتخب بلاده في كأس العالم، لا سيما وأن عمره سيبلغ الثانية والثلاثين خلال دورة البرازيل 2014. وقد شرح إصراره هذا بالقول: "إن الدنمارك لا تتأهل دائماً إلى النهائيات، ومن يدري، فقد تكون بطولة 2010 آخر مشاركة لي على صعيد كأس العالم."
صحيح أن موعد العرس العالمي المرتقب بات على الأبواب، إلا أن لارسن يؤكد أنه "مركِّز بشكل كلي على ديسبورج" في الوقت الراهن، رغم أن هذا المهاجم الطموح لا يخفي سعيه الحثيث لإيجاد موطئ قدم في الرحلة الدنماركية إلى بلاد مانديلا، إذ يمني النفس في خوض غمار هذه "البطولة الكبيرة، إذ يتعلق الأمر بأول بطولة لكأس العالم على أرض أفريقية، مما يضفي طعماً خاصاً على هذه النهائيات."