بل ثلاثة وسبعين يوما عن انطلاق الدورة النهائية لكأس العالم بجنوب إفريقيا المقررة ما بين 11 جوان و11 جويلية، لم تتحدّد بعد معالم قائمة الثلاثين لاعبا للمنتخب الوطني المقبل على ثالث مشاركة له في المونديال.
في الوقت الذي تستعد المنتخبات الواحدة والثلاثون المشاركة في المونديال الإفريقي المقبل، ويدرس مختلف مدرّبي المنتخبات المعنية بالمشاركة في أكبر تظاهرة كروية عالمية على الإطلاق، قدرات اللاّعبين الدوليين لاختيار الأفضل منهم ممّن يلعبون أساسيين في أكبر الأندية الأوروبية، لم يتغيّر واقع المنتخب الوطني الجزائري حيث اقترن الحديث عن ''محاربي الصحراء'' قبل موعد نهائيات كأس أمم إفريقيا الأخيرة، وخلال المنافسة وحتى بعدها، بهاجس الإصابات أكثـر منه بالأوراق الرابحة التي تسمح للجمهور الجزائري بإمكانية التفاؤل في مزاحمة الكبار.
واقع المنتخب الجزائري لم يتغيّر نحو الأحسن، مثلما يتمناه محبو ''الخضرا''، بل زاد سوء من يوم إلى آخر، حين ''تساقط'' لاعبو ''الخضر'' تباعا بسبب لعنة الإصابات التي تحوّلت إلى ''عدوى''، لحقت بركائز المنتخب الوطني إلى حدّ لم يكن أن يتصوّره أي عاقل. المنتخب الوطني الجزائري أصبح يعدّ اليوم لاعبيه المعافين والمشاركين بانتظام مع أنديتهم الأوروبية على قلّتهم، بعدما اكتظت العيادة بالمصابين، وحمل ذلك مسؤولي الاتحادية الجزائرية لكرة القدم على دخول سباق ضدّ الساعة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من عناصر المنتخب، ومحاولة توفير متابعة طبية على أعلى مستوى، واختير لهم مركز ''اسبيتار'' التابع لمستشفى أكاديمية ''أسباير'' بالعاصمة القطرية الدّوحة، لإعادة تأهيل ثلاثة لاعبين، بعدما أصيب قبلهم لاعبون أساسيون واستعادوا عافيتهم بعد ذلك.
أطبّاء ومراكز تأهيل في الواجهة
وفي الوقت الذي يقوم مسؤولو الاتحادية الجزائرية لكرة القدم، بالتشاور مع أعضاء الطاقم الفني، بوضع آخر اللّمسات بخصوص تحديد مكان إجراء التربّص التحضيري الأخير نهاية شهر ماي المقبل والبحث عن ملعب لمواجهة منتخب الإمارات العربية المتحدة وديا يوم 4 جوان المقبل، أصبح الميل إلى آراء الأطباء المكلّفين بعلاج اللاّعبين الدوليين الجزائريين يصنع الحدث. فقد ألقت الإصابات المتتالية بظلالها على عمل المدرّب الوطني رابح سعدان، ووضعته في حرج كبير، لأنه أضحى بين المطرقة والسندان، بين رغبته في تعافي لاعبيه وركائز المنتخب الجزائري وبين ضرورة احترامه لقراره القاضي بإشراك اللاّعب الأكثـر جاهزية بدنيا في نهائيات كأس العالم بغض النظر عن وزن وأسماء اللاّعبين.
ولعلّ المدرّب الوطني رابح سعدان يدرك أنه سيخسر عدّة لاعبين أساسيين، على غرار صخرة دفاع ''الخضر'' مجيد بوفرة ولاعب الوسط المتألق مراد مغني. فقد تبيّن من خلال الفحوصات الطبية في مركز ''اسبيتار'' القطري بأن الإصابتين معقدتان، ما يضع المدرّب في حرج كبير. وعلى غرار أنصار المنتخب الوطني، فإن قلب المدرّب سعدان معلّق بالدوحة، في انتظار ما يبلغه من أخبار عن مجيد بوفرة ومراد مغني وبدرجة أقل نذير بلحاج من مركز التأهيل، على أمل أن تتحسّن الحالة الصحية لبقية المصابين، أو على الأقل لا تتجدد إصابة اللاّعبين، في صورة عنتر يحيى وحسان يبدة ورفيق زهير جبّور وعمري شادلي ومهدي لحسن وآخرين الذين يعالجون لدى أطبّاء أجانب بأنديتهم الأوروبية.
نقص المنافسة هاجس آخر..
الإصابات ليست الهاجس الوحيد الذي يؤرّق الطاقم الفني للمنتخب الوطني ومعه كل الجزائريين، لأن وضع اللاّعبين غير المصابين مع أنديتهم مصدر قلق أيضا، فمعظمهم لا يشارك بانتظام، ما يقلّل من استعدادات الدوليين الجزائريين.
ويأتي صانع ألعاب المنتخب الوطني كريم زياني على رأس قائمة ''ضحايا'' اختيارات المدرّبين الأجانب، حيث أصبح مدلّل أنصار ''الخضر'' خارج حسابات مدرّبه الجديد في فولسبورغ، ما يبعث على الاعتقاد بأن زياني لن يلعب أية دقيقة في البطولة الألمانية إلى غاية موعد المونديال.
وفقد قائد المنتخب الوطني يزيد منصوري مكانته مع نادي لوريون الفرنسي، بعدما عانى في وقت سابق من الإصابة. ووجد المهاجم رفيق صايفي نفسه مجبرا على مغادرة نادي الخور القطري والالتحاق ''مضطرا'' بفريق إيستر الفرنسي من الدرجة الثانية ليضمن المشاركة في منافسة أفضل، ولو أن فريقه يلعب من أجل ضمان البقاء.
وفشل المدافع عنتر يحيى في استعادة مكانته في نادي بوخوم الألماني رغم تعافيه من الإصابة. ويضاف إلى هاجسي الإصابات وعدم المشاركة بانتظام، مشكل ثالث يخص الظهير الأيسر نذير بلحاج والحارس فوزي شاوشي، حيث لم تفصل ''الفيفا'' بعد في قضية عقوبتهما القارية، لأن أي تمديد رسمي للعقوبة يحرم ''الخضر'' من نذير بلحاج في المباراة الأولى في المونديال، والحارس فوزي شاوشي في المقابلتين الأوليين من الدور الأول.
وأمام هذا الوضع، وواقع المنتخب الوطني غير المسبوق، وجد المدرّب الوطني رابح سعدان نفسه مضطرا للبحث عن بدائل بشكل ''استعجالي'' وهو الذي كان يؤكد في خطاباته بأنه من هواة عدم التغيير.
ورغم أن الحديث عن اللاّعبين المغتربين دون سواهم كان يشكّل آخر اهتمامات المدرّب الوطني، فقد أصبح اللاّعبون الجزائريون الذين ينشطون في مختلف البطولات الأوروبية، على اختلاف المستويات التي يلعبون فيها، بمثابة الحلّ الأخير والبدائل المحتومة، وأصبحت عملية معاينة لاعبين ''من الدرجة الثانية'' ضرورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، إلى درجة ساد اعتقاد بأن المعيار الأساسي في اختيار لاعبي المنتخب الوطني هو صفة المغترب، لاقتناع المدرّب الوطني بأن لا أمل في اللاّعب المحلي، وهو ما تجلّى في إبعاد عدد من المحليين من المنتخب الأول.
واقع ''الخضر'' أسال لعاب كل اللاّعبين، وأصبح كل مغترب يأمل في المشاركة في المونديال ويحمل الراية الوطنية ويدعو المدرّب الوطني لمعاينته، ويعد بتقديم الإضافة ويتغنّى بالروح الوطنية. واكتشفنا مع مرور الوقت خمسة وثلاثين لاعبا مغتربا، بأسماء عربية وأخرى لاتينية وبجنسيات مزدوجة، تم تدوين أسمائهم في قائمة المدرّب الوطني، فقد لجأ سعدان لهذا الخيار متأخرا ومضطرا.
وقد أصبح ممكنا، بضربة حظ، ضمّ لاعب مغترب جديد، بعد معاينته في مباراة واحدة تألق فيها، في وقت أسقط المدرّب الوطني من قائمته لاعبين برزوا مع أنديتهم في مباريات كثيرة وحملوا ألوان المنتخب لعدة سنوات، في صورة عبد المالك زياية وكمال فتحي غيلاس وربما عامر بوعزة